وتوحيد الألوهيّة متضمّنٌ لتوحيد الربوبيّة، لأن من أفرد الله تعالى بالعبادة فهو مقرٌ ضمناً بتفرّد الله تعالى في الخلق والملك والتدبير، وغير ذلك من الأفعال الإلهيّة، ولولا إقراره بالربوبيّة ما أفرده بالعبادة | أخبر القرآن الكريم عن تعالى، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وتحدّث عن الإيجاد والرزق، وهو توحيد الربوبية، ودعا إلى عِبادة الله وحده لا شريك له، وترك وخلع كل ما يُعبد دون الله، وما أَمْرُ الله في القرآن الكريم بالعبادات بأنواعها، ولا نهيه عن المُخالفات بأنواعها، وبجميع أشكالها إلّا إقرارٌ للألوهيّة، ودعوةٌ لتَوحيد الألوهية؛ فكلّ ما في القرآن من دعواتٍ للربوبية، وذكرٌ لصِفات الربّانية، ودعوةٌ للعبادة، وتركٌ للمخالفة إلّا لإخلاص العبادة والألوهية لله وحده المُستحق للعبادة |
---|---|
ويقصدون توحيده بربوبيَّته: أي الإقرار بأنه واحد في أفعاله، لا شريك له فيها، كالخلق والرَّزق والإحياء والإماتة، وتدبير الأمور والتصرف في الكون، وغير ذلك مِمَّا يتعلق بربوبيته | وأمَّا الأبعاض، فمُرادهم بتنزيهِه عنْها: أنَّه ليس له وجْه ولا يدان، ولا يمسك السَّموات على أصبع، والأرض على أصبع، والشجر على أصبع، والماء على أصبع، فإنَّ ذلك كله أبعاض، والله منزَّه عن الأبعاض |
ومن الأمور التي تُبحث في باب المُعتقد: الفروق ما بين هذين القسمين من أقسام التوحيد، وهذه قضيّة مهمّةٌ للغاية تجدرُ العناية بها نظراً لوقوع كثير من الطوائف في الخلط بينهما وعدم إدراك طبيعة كلٍّ منهما، ثم إن الوقوف على هذه الفروق يدفع الناظرَ إلى آيات القرآن ونصوص الوحي إلى فهمٍ أدقّ وتدبّرٍ أعمق؛ ويمكن إجمال أهم الفروق الحاصلة بينهما في التالي: الفرق من جهة الاشتقاق إذا رجعنا إلى كتب اللغة، نجد فرقاً في الأصول اللغويّة لكلا اللفظتين: الربوبية - الألوهيّة ، أما الربوبيّة: فهي مشتقّة من اسم الله: الرّب ، قال صاحب الصحاح: " رب كل شيء: مالكه.
اعبد الله ، ليس لك إله غيره | وتوحيد الألوهيَّة أو توحيد العبادة: وهو عبادته وحْدَه لا شريك له، فلا يُجعل معه إلهٌ غيره، وهو حق الله على العباد؛ كما في حديث معاذ عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: « أتدري ما حقُّ الله على عباده؟» قال: قلت: الله ورسوله أعْلم، قال: « حق الله على عبادِه: أن يعبدوه ولا يُشْرِكوا به شيئًا، أتدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟» قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: « حقهم: ألاَّ يعذِّبَهم» ؛ متفق عليه |
---|---|
ذُكر توحيد الألوهية في العديد من الآيات من بينها سورة الإخلاص التي تركزت بالكامل على التوحيد والإفراد لله في العبادة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 1 اللَّهُ الصَّمَدُ 2 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ 3 وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ 4 ، ولا يكتمل إيمان المسلم إلا بدون الإقرار بكلاً من توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية | الله هو سيد الكون الوحيد وخالقه |
وقال: "فالعمل الصَّالح لا بدَّ أن يراد به وجه الله تعالى؛ فإن الله - تعالى - لا يقبل من العمل إلاَّ ما أريد به وجهه وحده؛ كما في الحديث الصَّحيح عن أبي هُرَيْرة عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: « يقول الله تعالى: أنا أغنى الشُّركاء عن الشِّرْك، من عمِل عملاً أشْرَك فيه غيري، فأنا منه بريء» ، وهو كلُّه للَّذي أشرك، وهذا هو التَّوحيد الذي هو أصل الإسلام، وهو دِين الله الَّذي بعث به جَميع رسُلِه، وله خلق الخلق، وهو حقّه على عباده: أن يعبدوه ولا يشْرِكوا به شيئًا، ولا بدَّ مع ذلك أن يكون العمل صالحًا، وهو ما أمر الله به ورسوله، وهو الطاعة؛ فكلُّ طاعةٍ عملٌ صالح، وكلُّ عمل صالح طاعة، وهو العمل المشْروع المسْنون".