وناسبت سورة الكافرون السُّورة التي قبلها وهي سورة الكوثر؛ إذ إنَّ الله -تعالى- أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- في سورة الكوثر بشكره على النِّعَم ، وجاء في سورة الكافرون الإشارة إلى الأمر بإخلاص العبادة لله، ومن مقاصد السُّورة القطع على الكافرين في أطماعهم بالمُساومة على العقيدة الصَّحيحة؛ فيكون للكافرين بذلك دينهم الذي رضوه لأنفسهم، وللمُسلمين دينهم الذي ارتضاه الله لهم وهو التَّوحيد، وسُمِّيت بسورة الكافرون لأنَّ الله أمر نبيَّه بخطاب الكافرين وإخبارهم بعدم عبادته للأصنام، كما تُسمَّى أيضاً بسورة المُنابذة، ووضعت السُّورة الحد الفاصل بين الإيمان والكُفر، وبين أهل الإيمان والكافرين | |
---|---|
جاء في سبب نزول هذه السورة أن كفار قريش عرضوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا الله سبحانه وتعالى ويقبلوا ما جاء به ، بشرط أن يشاركهم في عبادة آلهتهم الباطلة بعض الزمان ، فنزلت هذه السورة تقطع كل مفاوضات لا تفضي إلى تحقيق التوحيد الكامل لله رب العالمين |
وعن سعيد بن مينا مولى البَختري قال : لقي الوليد بن المُغيرة والعاص بن وائل ، والأسود بن المطلب ، وأميَّة بن خلف ، رسولَ الله ، فقالوا : يا محمد! وإنما قيل ذلك كذلك ؛ لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يؤيسهم من الذي طمعوا فيه ، وحدّثوا به أنفسهم ، وأن ذلك غير كائن منه ولا منهم في وقت من الأوقات ، وآيس نبي الله صلى الله عليه وسلم من الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا ، فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا ، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وجاءت به الآثار " انتهى.
14فعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطوه مالا فيكون أغنى رجل بمكة ، ويزّوجوه ما أراد من النساء ، ويطئوا عقبه ، فقالوا له : هذا لك عندنا يا محمد ، وكفّ عن شتم آلهتنا ، فلا تذكرها بسوء ، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ، فهي لك ولنا فيها صلاح | وسعيد بن ميناء من أوساط التابعين ، فروايته مرسلة ضعيفة |
---|---|
قال : ما هي ؟ قالوا : تعبد آلهتنا سنة : اللات والعزي ، ونعبد إلهك سنة ، قال : حتى أنْظُرَ ما يأْتي مِنْ عِنْدِ رَبّي |
فجاء الوحي من اللوح المحفوظ : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ السورة، وأنزل الله : قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ.
3وقال السيوطي رحمه الله : "أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب قال : قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم : إن سرك أن نتبعك عاما وترجع إلى ديننا عاما ، فأنزل الله : قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ إلى آخر السورة | |
---|---|
وعبد الله بن عيسى الخزاز ضعيف عند عامة العلماء ، لا سيما رواياته عن داود بن أبي هند |
وأما معنى السورة : فقال ابن جرير الطبري رحمه الله : " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم - وكان المشركون من قومه فيما ذكر عرضوا عليه أن يعبدوا الله سنة ، على أن يعبد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم آلهتهم سنة - فأنزل الله معرفة جوابهم في ذلك : قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين سألوك عبادة آلهتهم سنة ، على أن يعبدوا إلهك سنة يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ بالله لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ من الآلهة والأوثان الآن وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ الآن وَلا أَنَا عَابِدٌ فيما أستقبل مَا عَبَدْتُمْ فيما مضى وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ فيما تستقبلون أبدا مَا أَعْبُدُ أنا الآن ، وفيما أستقبل.