والحق أن كتاب "ألف ليلة وليلة" قد أسبغ على هارون الرشيد وعصره روعة وشهرة وبهاءًا لم تزده القرون إلا تخليدًا ورسوخًا، وقد أثرت هذه الصورة في الآداب الغربية التي ترجم إلى لغاتها الكتاب، حيث بات هارون الرشيد أشهر الخلفاء المسلمين على الإطلاق في الغرب الذي تعرّف إليه من خلال قصص "ألف ليلة وليلة" | |
---|---|
نشأته وحياته قبل الخلافة حينما توفر أكبر أبناء أبو جعفر المنصور؛ أصبح المهدي ولياً للعهد، فترك مدينة الري وعاد إلى بغداد، وجاء معه ابنه الرشيد، والذي نشأ في كنف أبيه وجده، وعاش في قصر الخلافة فأشرف على تعليمه أفضل الأساتذة، ومن أشهر معلميه "الكسائي" و"المفضل الضبي" | وقد تميز عصره بالحضارة والعلوم والازدهار الثقافي والديني، وأسس المكتبة الأسطورية في ، وبدأت بغداد خلال فترة حكمه بالازدهار كمركز للمعرفة والثقافة والتجارة |
ذلك الرجل هو هارون الرشيد، خامس الخلفاء العباسيين، فإليك أيها القارئ هذا الكتاب الذي يحمل العنوان نفسه، قسم من بعد هذه المقدمة ومن بعد تمهيد أوجز الحديث عن كيفية انتقال الحكم إلى العباسيين، قسم إلى فصول سبعة هي التالية: 1-خلافة الرشيد، 2-الغزوات والفتن والثورات، 3-نكبة البرامكة، 4-مجالس الشعر والأدب، 5-مجالس العلم والوعظ، 6-مجالس الغناء، 7-المسامرات والنوادر.
وفي عام 165هـ خرج الرشيد في حملة عسكرية أكبر من سابقتها نحو بلاد الروم، ووصل إلى الشاطئ المواجه للقسطنطينية، وتمكن من تحقيق نصرٍ ثانٍ على الروم، وعاد محملاً بالغنائم، فأطلق عليه المهدي منذ ذلك الحين لقب الرشيد، وجعل منه ولياً لعهده، فأوصى له بالخلافة بعد أخيه الهادي | في عام 179 هـ خرج حمزة بن أترك السجستاني وعظم أمره عام عندما عاث فسادًا في بادغيس بخراسان؛ فتصدى له عيسى بن علي بن عيسى وقتل الكثير من أعوانه وهرب حمزة إلى |
---|---|
و قال الغزالي في فضائح الباطنية: وقد حُكي عن إبراهيم بن عبد الله الخراساني أنه قال: حججت مع أبي سنة حج الرشيد فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسرٌ حافٍ على الحصباء، وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكي ويقول يا رب أنت أنت وأنا أنا، أنا العوّاد إلى الذنب وأنت العوّاد إلى المغفرة، اغفر لي | ومن زوجاته أيضا أمة العزيز وأم محمد ابنة صالح المسكين بنت عمه سليمان بن أبي جعفر، وتزوج أيضا ابنة عبد الله التي تعود بالنسب إلى عثمان بن عفان وتلقب الجرشية لأنها ولدت بجرش باليمن، ومن زوجاته أيضا عزيزة بنت صالح وهي بنت خاله أخو أمه الخيزران |
من هو الخليفة المأمون هو عبد الله بن هارون الرشيد سابع خلفاء بني العباس، ولد المأمون عام 170 للهجرة هو ما يوافق عام 786 ميلادية، وهو ابن الخليفة العباسي هارون الرشيد، أمُّه جارية فارسية توفِّيت بعد ولادته بأيام بسبب مرضها بحمى النِّفاس، وقد ولد المأمون في ليلة من ليالي شهر ربيع الأول، سُمِّيت هذه الليلة بليلة الخلفاء ففيها توفِّي عم المأمون موسى الهادي وكان خليفة، وفيها تولَّى والده الخلافة وفيها ولد المأمون الخليفة اللاحق، وقد عاش المأمون في بيت الخلافة آنذاك فأبوه هارون الرشيد خليفة المسلمين، فتعلَّم وتربَّى وتثقَّف كما ينبغي للأمراء والملوك وكان فطنًا ذكيًا، وبسبب ذكائه عقد له والده الرشيد بيعة الخلافة بعد أخيه الأمين.
وكان أبيض طويلاً، جميلاً، وسيماً، إلى السَّمن، ذا فصاحة وعلمٍ وبصرٍ بأعباء الخلافة، وله نظر جيد في الأدب والفقة، قد وَخَطَه الشَّيب | ولاية العهد كان للخليفة عدد كبير من الأبناء إلّا أنّ أكثرهم أهميّةً أبناه الأمين من زبيدة، والمأمون ووالدته جارية وكانت تلك مشكلةً كبيرةً إذ كيف سيختار الخليفة من يلي بعده، وقد كان يفضّل المأمون لتميّزه عن أخيه الأمين برجاحة العقل وسعة الأفق |
---|---|
موقف هارون الرشيد من العلويين حاول الرشيد في الأعوام الأولى من خلافته مسالمة العلويين والعفو عنهم، إلا أنه كان يخشى اثنين منهم فقد فرا عقب موقعة الفخ وهما إدريس بن عبدالله الذي نجح في الوصول إلى المغرب الأقصى وكون دولة الأدارسة، أما الآخر فهو يحيى بن عبدالله الذي استقر في بلاد الديلم، وتجمع حوله المتشيعون لأنه من أهل البيت فأرسل إليه الرشيد جيشًا بقيادة الفضل بن يحيى البرمكي لإرجاعه لحظيرة الخلافة، فأرجعهم إلى بغداد بكل حب | في تلك الحكايات امتزج الخيال بالحقيقة، فصار على الباحث والمدقق تمييز ما هو حقيقي، عما صنعه خيال البشر، كالمكتوب عنه في أشهر كتب الأدب العربي "ألف ليلة وليلة" |
ولو علم المؤرخون أن البرامكة تقربوا إلى الرشيد بالسعي على العلويين والسعي بهم وتبغيضهم لوجدوا إلى سبب تلك الفتكة الهامشية سبيلًا، وعلى الجلية دليلًا، وعلموا أنهم إنما حق عليهم العذاب ودمرهم الله تدميرًا، بل وإن السبب الحقيقي وراء قضاء هارون الرشيد عليهم، هو تدبيرهم لقتل موسى بن جعفر، وولوغهم في دماء بني علي، وطلبوا الزلفى بتعذيبهم وأعلوا مراتبهم بخفض العصبية الهاشمية واجتثاث الشجرة النبوية.
19